نائب رئيس جامعة القاهرة.. الإصلاحات ودعم القطاع الخاص مفتاح التعافي الإقتصادي

الحوار: علي محمد علي
في ظل التطورات الإقتصادية الأخيرة التي تشهدها مصر، تأتي موافقة صندوق النقد الدولي على المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح الإقتصادي المصري كخطوة محورية تعكس تقدمًا ملموسًا نحو إستعادة الإستقرار الإقتصادي وتعزيز الثقة في الأسواق المحلية والدولية.
هذه الموافقة، التي تتيح لمصر الحصول على شريحة تمويلية بقيمة 1.2 مليارًا دولارًا، تُعد بمثابة دفعة قوية لإحتياطيات النقد الأجنبي، وتسهم في دعم إستقرار سعر الصرف وتراجع معدلات التضخم.
وبينما يواصل الإقتصاد المصري جني ثمار الإصلاحات الهيكلية التي تنفذها الحكومة، مثل تحرير سعر الصرف وضبط المالية العامة، تبرز أسئلة حول مدى إستدامة هذا التحسن وتأثيره على التنمية الإقتصادية والإجتماعية في المستقبل.
في هذا الحوار، نناقش مع الأستاذ الدكتور محمود السعيد، نائب رئيس جامعة القاهرة، وعميد كلية الإقتصاد والعلوم السياسية بالجامعة سابقًا، كيف يمكن أن تسهم هذه التطورات في تعزيز الإستدامة المالية، ودور مشروعات مثل: إفتتاح المتحف المصري الكبير في دعم قطاع السياحة، بالإضافة إلى التحديات المستقبلية التي قد تواجه الإقتصاد المصري رغم هذه الإنجازات.
كيف ترى تأثير موافقة صندوق النقد الدولي على المراجعة الرابعة على الإقتصاد المصري؟ وما هو تأثيرها على مستقبل الإقتصاد المصري؟
“تعتبر موافقة صندوق النقد الدولي على المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح الإقتصادي المصري خطوة هامة وإيجابية نحو تعزيز الثقة في الإقتصاد المصري بعد إستقرار الوضع الإقتصادي إلى حد كبير خلال الأشهر الماضية وهو ما إنعكس على رفع وكالة فيتش العالمية للتصنيف الإئتماني لمصر إلى “B” لأول مرة منذ 4 سنوات في نوفمبر الماضي مع نظرة مستقبلية مستقرة.
هذه الموافقة لها تأثير كبير على الإقتصاد المصري حيث تتيح لمصر الحصول على شريحة تمويلية بقيمة 1.2 مليارًا دولارًا، مما يدعم إحتياطيات النقد الأجنبي ويعزز الإستقرار المالي ويسهم في إستقرار سعر الصرف وخفض معدلات التضخم”.
هل تعتقد أن استمرارية برنامج الإصلاح الإقتصادي الذي تتبعه الحكومة سيسهم بشكل فعلي في تعزيز الإستدامة المالية وتحقيق النمو المستدام؟
” أعتقد أن إستغلال هذه الشريحة التمويلية مع الشرائح التمويلية الأخرى الواردة من الإتحاد الأوروبي والدول العربية الشقيقة في الإستثمار في القطاعات المستدامة مثل: قطاع الطاقة النظيفة والمتجددة على سبيل المثال، مع الإهتمام بملف السياحة وتطوير المناطق السياحية، سوف يُسهم بشكل فعّال في تعزيز الإستدامة المالية وتحقيق نمو مستدام.
وتابع :”استمرار برنامج الإصلاح الإقتصادي من شأنه أن يؤدي إلى ضبط أوضاع المالية العامة، وتعزيز دور القطاع الخاص، مما يعزز من قدرة الإقتصاد على مواجهة التحديات المستقبلية.
كيف يمكن تفسير انخفاض معدل التضخم في مصر في فبراير 2025 إلى 12.5% مقارنة بـ 23.2% في يناير من نفس العام؟ وهل يعتبر ذلك دليلًا على تحسن الوضع الإقتصادي ؟
” إنخفاض معدل التضخم في مصر في فبراير 2025 مقارنة بـ يناير من نفس العام يُعد مؤشرًا إيجابيًا على تحسن الوضع الإقتصادي مما إنعكس على إستقرار الأسعار في سلة السلع التي يتم حساب التضخم على أساسها، وعدم ارتفاع سعرها بشكل كبير كما كان الحال في الأعوام الثلاثة الماضية”.
وأضاف :” هذا الإنخفاض في التضخم يعكس تأثير السياسات النقدية والمالية التي إتبعتها الحكومة للسيطرة على التضخم مثل : رفع أسعار الفائدة وتحرير سعر الصرف والإتفاق مع الإمارات على الإستثمار في منطقة رأس الحكمة”.
ما هي أبرز الخطوات التي اتخذتها الحكومة لتحقيق هذا التحسن في التضخم؟ وهل تلك الإجراءات ستكون مستدامة في المدى البعيد؟
“من أبرز الخطوات التي إتخذتها الحكومة لتحقيق هذا التحسن في التضخم كان أولًا تحرير سعر صرف العملات الأجنبية، والذي أدى إلى السيطرة على إرتفاعها الجنوني والذي كان ينذر بكارثة إقتصادية” .
أيضًا :”ضبط أوضاع المالية العامة من خلال تحسين منظومة الضرائب وإعتماد سياسات التقشف الحكومي في الوزارات والهيئات الحكومية”.
كما:” لجأت الحكومة إلى تعزيز الإستثمار العام وتهيئة بيئة مواتية لنمو القطاع الخاص من خلال وثيقة ملكية الدولة والتي تهدف إلى تشجيع القطاع الخاص”.
واستكمال :” هذه الإجراءات تهدف إلى تحقيق إستقرار إقتصادي مستدام على المدى الطويل ولكنها تحتاج إلى حزمة سياسات إضافية حتى يتحقق إستدامة التحسن الإقتصادي مثل: تشجيع الإستثمار الخاص في قطاع الصناعة وهو ما يؤدي إلى زيادة الإنتاج والتصدير والتشغيل مما يحقق تحسن إقتصادي مستدام”.
ما هو تأثير إفتتاح المتحف المصري الكبير على الإقتصاد المصري، خصوصًا في سياق التنمية الإقتصادية المستدامة؟
” كما ذكرت من قبل نحتاج إلى الإستثمار في قطاع السياحة لأنه أحد القطاعات المؤثرة جدًا في توفير العملات الصعبة، وجزء كبير من الأزمة الإقتصادية في السنوات الماضية كان تأثر موارد قطاع السياحة بالإضطرابات الجيوسياسية في العالم وخصوصًا التي تحدث في دول المنطقة، وفي هذا الإطار فأن إفتتاح المتحف المصري الكبير يُتوقع أن يكون له تأثير إيجابي على الإقتصاد المصري، خاصة في قطاع السياحة”.
وأضاف :” هذا المشروع يعزز من جاذبية مصر كوجهة سياحية ثقافية، مما يساهم في زيادة الإيرادات السياحية ودعم التنمية الإقتصادية المستدامة”.
هل تعتقد أن الإقتصاد المصري بدأ في تحقيق تعافي ملموس على المستوى الكلي؟ وما هي العوامل التي تساهم في تحقيق هذا التعافي؟
” بالنظر إلى المؤشرات الحالية، يمكن القول إن الإقتصاد المصري بدأ في تحقيق تعافٍ ملموس على المستوى الكلي، فإنخفاض معدل التضخم إقترابه من المستوى المستهدف هو تطور هام، كما أن إستقرار سعر الصرف وإتجاه البنك المركزي إلى تخفيض سعر الفائدة كما هو متوقع في الإجتماعات القادمة، كلها مؤشرات تشير إلى بداية طريق التعافي”.
وأكمل :” وأهم العوامل المساهمة في هذا التعافي تشمل تنفيذ إصلاحات إقتصادية هيكلية، فالإقتصاد المصري يجب أن يتحول من إقتصاد شبه ريعي يعتمد على موارد ريعية إلى إقتصاد إنتاجي يعتمد على التصنيع والزراعة والتصدير، أيضًا مسألة زيادة الإستثمارات الأجنبية والمحلية مهمة جدًا في حدوث تعافي مستدام”.
ما هي التحديات التي قد تواجه الإقتصاد المصري في الفترة القادمة رغم هذه التحسينات؟
” رغم كل هذه التحسينات، فإن الإقتصاد المصري من المتوقع أن يواجه تحديات مستقبلية، منها الحاجة إلى خلق فرص عمل جديدة لإستيعاب الزيادة السكانية والسبيل الوحيد لذلك هو الإهتمام بالتصنيع الذي يؤدي إلى التشغيل والتصدير” .
وتابع :” أيضًا من أهم التحديات هو تعزيز كفاءة ما تبقى من مؤسسات القطاع العام وذلك بتطبيق مبادئ الحوكمة في إدارة هذه المؤسسات مثل: الشفافية والنزاهة والمسائلة وسيادة القانون، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتحقيق الجودة ورضا المواطنين”.
وأضاف : ” كما أن التحديات الخارجية مثل: التقلبات في الإقتصاد العالمي والإضطرابات الجيوسياسية والخوف من ظهور جائحة عالمية أخرى، كلها تخوفات قد تؤدي في حال حدوثها إلى إنتكاسات في إقتصادات كل الدول وليس مصر، فقط”.
كيف يمكن لنجاح المفاوضات مع صندوق النقد الدولي أن يعزز من القدرة التنافسية للإقتصاد المصري على المستوى الإقليمي والدولي؟
” نجاح المفاوضات مع صندوق النقد الدولي يعزز من قدرة الإقتصاد المصري على التنافس إقليميًا ودوليًا لأنه ينعكس على تحسين التصنيف الائتماني للبلاد وبالتالي جذب الإستثمارات طويلة وقصيرة الأجل وزيادة ثقة المستثمرين الدوليين” .
وأشار :” كما ينعكس أيضًا على زيادة التمويل الأجنبي بشروط ميسرة للمشروعات التنموية، كل ذلك سينعكس في النهاية على تعزيز قدرة الإقتصاد المصري وزيادة تنافسيته”.
هل يمكن إعتبار هذا التحسن في مؤشر التضخم بمثابة بداية لمرحلة جديدة من الإستقرار الإقتصادي ؟ وما هي أبرز الإصلاحات التي يجب أن تستمر الحكومة في تنفيذها لتحقيق هذا الإستقرار ؟
” كما ذكرنا من قبل فإن التحسن في مؤشر التضخم يُعتبر بالفعل بداية لمرحلة جديدة من الإستقرار الإقتصادي شريطة أن يتوازى مع سياسات تستهدف إعادة هيكلة الإقتصاد المصري بحيث يصبح إقتصاد منتج، الإصلاحات الهيكلية قد تشمل على سبيل المثال لا الحصر تنفيذ وثيقة ملكية الدولة وتعزيز دور القطاع الخاص، وتحسين بيئة الأعمال والإستمرار في تطوير البنية التحتية وخصوصًا في المناطق السياحية ومنطقة قناة السويس”.
ما هو دور الحكومة في تحقيق تحسين ملموس ومستمر في مستوى معيشة المواطنين؟ وكيف يمكن للحكومة ضمان أن يستفيد المواطن العادي من هذه التحسينات الإقتصادية ؟
” دور الحكومة في تحسين مستوى معيشة المواطنين يتضمن أولًا توفير خدمات تعليمية وصحية عالية الجودة، فالتعليم هو حجر الزاوية في أي تطوير مستقبلي” .
وأضاف :” كما يجب الإستمرار في تطوير شبكات الحماية الإجتماعية للفئات المهمشة. والسعي في خلق فرص عمل مناسبة للمواطنين تتناسب مع الزيادة السكانية”.
وتابع :” ولضمان إستفادة المواطن العادي من التحسينات الإقتصادية، يجب التركيز على 3 ملفات رئيسية وهي ضمان توزيع عادل لعوائد النمو، فمهما كان معدل النمو الإقتصادي لن يشعر بعوائده المواطن إذا لم يكن هذا النمو إحتوائي يتضمن كل الفئات”.
وأكمل :” أيضًا يجب الإستمرار في تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد في نسختها الثالثة بغرض تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد”.
وأستكمل :” والملف الثالث هو تمكين الفئات المهمشة إقتصاديًا وإجتماعيًا من خلال برامج الحماية الإجتماعية “.
واختتم :” بإستمرار هذه الجهود، يمكن تحقيق تنمية شاملة ومستدامة تنعكس إيجابيًا على حياة المواطنين”.