“شيرين العدوي” تكتب : توأم الروح

كم مرة شعرت فيها أنك لست مع الشخص المناسب فقررت الابتعاد؟! كم عدد الزيجات التى تمت واستمرت للحاجة إلى رفيق درب فقط؟! والسؤال الأهم كم زيجة أحس فيها الطرفان أنهما توءم روح؟! وكم زيجة انتهت بالطلاق الصامت أو غير المعلن مع استمرار الحياة حتى اللحد؟! ومن توأم الروح؟!
والإجابة عن كل هذه الأسئلة ربما تكون واحدة أو مرايا متجاورة، في الحصول على توأم الروح أمر صعب للغاية وربما يكون أمرا نادرا. فعالم النفس الشهير كارل يونج يرى أن مفهوم توأم الروح يتجاوز بكثير المعنى الرومانسى السطحي لدى العامة، في العثور عليه هو جزء لا يتجزأ من رحلة الفردانية «Individuation»، فهى عملية نفسية عميقة يسعى فيها الفرد إلى تحقيق تكامله النفسى والوعى بذاته الحقيقية. إنه ليس مجرد العثور على شريك مثالى، بل هو انعكاس لعملية داخلية تتكشف من خلال العلاقة مع الآخر. توأم الروح ليس مكملا.
بل انعكاس للكمال، على عكس الاعتقاد السائد بأن توءم الروح هو من يكمل نقصا فينا، ويؤكد يونج أن العلاقة الحقيقية لا تقوم على هذا الأساس. فالشخص لا يجد توأم روحه وهو نصف مكسور يبحث عن النصف الآخر ليكمله، ولكن يحدث اللقاء الحقيقى عندما يتعلم الفرد أن يكون مكتملا وكافيا بنفسه. توأم الروح هو شخص نختار مشاركة اكتمالها معه، وليس منقذا أو مكملا لما ينقصنا. فالله الكامل لا يجمع أنصافا مكسورة. بل يجمع كائنات مكتملة ومستعدة للمشاركة، صهرت بنار التجربة، وصقلت بوعى الاكتمال.
يعتقد يونج أن أرواحنا متصلة ببعضها البعض من خلال ما سماه اللاوعي الجمعي. هذا اللاوعى يضم أنماطا أولية مشتركة وتجارب إنسانية عميقة تتجاوز التجربة الفردية. فعندما نلتقى بتوءم روحنا، فإن هذا اللقاء يثير هذا البعد العميق فى داخلنا، ويوقظ ارتباطا أوليا يبدو مألوفا وغامضا فى آن واحد. هذا الاتصال ليس بالضرورة واعيا أو منطقيا، بل غالبا ما يتجلى فى شعور عميق بالسلام والألفة أو حتى بالتحدى، ولكن التحدى هنا ليس صراعا أو تشققا إنسانيا، وإنما يعنى التحفيز للنمو والتطور.
توأم الروح لا يقتصر دوره على إثارة مشاعر الحب والسعادة فقط بل غالبا ما يثير الأسئلة الدفينة داخلنا ويوقظ جروحنا القديمة فيجبرنا على مواجهة الظل فى أنفسنا تلك الجوانب المظلمة التى نخجل منها أو ننكرها ونفضل إخفاءها، لكنه يساعدنا أن ندفع بها إلى السطح ونتعامل معها، بل ندمجها مع شخصيتنا الواعية لتحدث عملية التطهير لضرورة التكامل النفسى والوصول للفردانية. وهناك فى رحلتنا مصادفات قد تبدو عشوائية يسميها يونج«التزامنية» غير مرتبة تحمل واقعا لمعنى خفى يرتبط بطرق غير سببية، مع أحداث تبدو تافهة، ولكنها تترك أثرا عميقا وربما فى بعض الأحيان تظهر كعقبات، ولكنها فى الحقيقة إشارات خفية تقودنا عبر مسار الحياة نحو توأم الروح. والسؤال المهم ليس هو أين نجد رفيق الروح ؟! بل هو: هل نحن مستعدون للتعرف عليه عندما يظهر؟! إن هذا يحتاج من الإنسان مستوى معينا من الاستعداد الداخلى، وفهما للإشارات العلوية الإلهية، وصبرا على الانصهار فى آتون النور الصافي. فهل أنتم مستعدون؟!