الحقيقة الغائبة في حفل العندليب بموازين

كتبت: ولاء عمران
أثار إعلان مهرجان موازين عن تقديم حفل “هولوجرام عبد الحليم حافظ” ضمن فعاليات دورته العشرين جدلًا واسعًا، بعد أن أعلنت شركة بريطانية ، أنها كانت الجهة الأصلية المخططة للعرض، ووجهت اتهامات باستبعادها بشكل مفاجئ. لكن القصة التي تكشفها إدارة المهرجان تضع الأمور في سياق مختلف تمامًا… فماذا حدث؟
بحسب مهرجان موازين، فإن هذه الشركة قدّمت بالفعل عرضًا فنيًا أوليًا مطلع العام الحالي، واقترحت إقامة تجربة هولوجرافية لعبد الحليم حافظ، وأبدت إدارة المهرجان استعدادها المبدئي للتعاون، انطلاقًا من تصور أولي بأن الشركة مغربية أو تدار بأيدٍ مغربية، وهو ما دفعهم إلى تخصيص ميزانية ضخمة دعمًا للمشروع.
لكن سرعان ما اتضح للمهرجان أن الشركة مسجلة قانونيًا في لندن وليست شركة مغربية، وإنما تضم شخصًا مغربيًا في إدارتها، وهو ما دفع القائمين على المهرجان إلى مراجعة موقفهم، خاصة أن الدعم الفني والمالي الوطني موجّه بالأساس للكفاءات المغربية والمؤسسات المحلية.
واحدة من النقاط الجوهرية التي حالت دون الاتفاق كانت والشركة أصرت على إقامة العرض في المسرح الكبير بالرباط، وهو فضاء فني ضخم لم يُفتتح رسميًا حتى الآن. وتؤكد إدارة المهرجان أن المسرح الكبير لا يمكن فتحه إلا بقرار رسمي من جهات عليا ، وبالتالي لم يكن ممكنًا إقامة الحفل هناك ضمن الجدول الزمني الحالي. عرضت إدارة موازين على الشركة بدائل متاحة مثل مسرح محمد الخامس أو منصة النهضة ، لكنها رفضت، معتبرة أنها لا تلبّي المتطلبات التقنية المعقدة للعرض.
في الوقت الذي تقول فيه الشركة إن فكرة تقديم “حفل هولوجرام لعبد الحليم” هي فكرتها الأصلية، تؤكد إدارة مهرجان موازين أن تقديم عروض الهولوجرام لنجوم الطرب العربي هو نهج مقرر مسبقًا منذ الدورة الماضية. وقد تم تدشين هذه التجربة بالفعل العام الماضي من خلال حفل هولوجرام لأم كلثوم، كجزء من رؤية فنية لتكريم رموز الغناء العربي في كل دورة قادمة، بدءًا من “كوكب الشرق” مرورًا بـ”العندليب” وربما لاحقًا “وردة” و”فريد الأطرش”.
في قلب هذه الأزمة تقع مسألة الحقوق القانونية لعبد الحليم حافظ، وهي مسألة لا تزال محل جدل. فبينما تقول الشركة إنها تملك حقوق الصورة والصوت والتمثيل من ورثة عبد الحليم، يعتمد مهرجان موازين في تنظيم الحفل الحالي على ترخيص حصل عليه من المنتج المصري محسن جابر، مدير شركة “صوت الفن”. ويُذكر أن “صوت الفن” تملك الحقوق الحصرية لكامل كتالوج أغاني عبد الحليم، ما يتيح للمهرجان استخدام المواد الموسيقية والصوتية قانونيًا. لكن عائلة الفنان، ممثلة في محمد شبانة، تقول إن “صوت الفن” لا تملك حق استخدام الصورة أو تمثيل الفنان رقميًا، وهي مسألة لم تُحسم بعد قانونيًا، ولا توجد جهة قضائية مغربية أو مصرية أصدرت حكمًا فيها حتى الآن.
من وجهة نظر مهرجان موازين، فإن ما حدث ليس “إقصاء” أو “سطو على فكرة” كما تدّعي الشركة، بل مجرد تعثّر في الوصول إلى اتفاق نهائي. وتؤكد مصادر من داخل المهرجان: “نحن لم نوقع عقدًا مع الشركة البريطانية. كل ما حدث كان تبادلًا للآراء والاقتراحات، لكن الاشتراطات التي وضعتها الشركة، سواء من حيث المكان أو التكلفة أو الحقوق، لم تكن قابلة للتطبيق في السياق الزمني والفني للدورة الحالية”. ولهذا السبب، وضمن رؤيته المسبقة لتقديم عروض هولوجرام، قرر المهرجان المضي قدمًا في تنفيذ العرض من خلال شركة أخرى تمتلك الخبرة في هذا المجال، سبق لها تقديم عروض مشابهة،
الجدل الدائر يسلّط الضوء على إشكالية أعمق: كيف يمكن تكريم رموز الفن دون الوقوع في فخ الاستغلال؟ ومن يملك حق إعادة إحياء فنان راحل؟ هل الورثة وحدهم؟ أم المنتج؟ أم الجمهور؟ وسط هذه الأسئلة، يؤكد مهرجان موازين أنه اختار تكريم العندليب كجزء من رؤية ثقافية فنية مستمرة، دون أي نية في تجاوز حقوق أو تهميش أطراف. لكن تظل الحقيقة المؤكدة أن عبد الحليم، الذي سكن قلوب الملايين، عاد إلى الأضواء مجددًا… ربما بصور متعددة، لكن بروح واحدة