الشيخ إمام عيسى أول سجين بسبب الغناء
كتبت صوفيا إسماعيل
في ال ٧ من يونيو عام ١٩٩٥ ، رحل عن عالمنا منذ ٢٨ عاما ، الشيخ إمام عيسى، صوت مصر الثوري، ورفيق الدرب والكفاح والسجن للشاعر أحمد فؤاد نجم، تمر اليوم الذكرى ال ٢٨ على رحيله.
ولد الشيخ إمام عيسى في ٢ يوليو ١٩١٨ بقرية أبو النمرس بمحافظة الجيزة لأسرة فقيرة وكان أول من يعيش لها من الذكور حيث مات منهم قبله سبعة ثم تلاه أخ وأخت.
أصيب بالرمد في السنة الأولى من عمره، وفقد بصره بسبب الجهل واستعمال الوصفات البلدية في علاج عينه، فقضى طفولته في حفظ القرآن الكريم على يد الشيخ عبد القادر ندا رئيس الجمعية الشرعية بابو النمرس وكان يتمتع بالذاكرة القوية.
كان الشيخ إمام عيسى يحب الاستماع للشيخ محمد رفعت، وكان الاستماع للإذاعة من ممنوعات الجمعية فكانوا يعتبرون أن الاستماع لها بدعة، مع أنه كان يستمع للقرآن.
إلا أن الجمعية قررت فصله بالإجماع، وعندما علم أبوه ما حدث لابنه من فصل من الجمعية بحث عنه فوجده يقضى نهاره في منطقة سيدنا الحسين وليله في الأزهر حيث كان ينام.
تعرض الشيخ إمام للإهانة والضرب من قبل والده، وحذره من العودة للقرية مرة أخرى، عقابا على فصله من الجمعية، وبعدها توفيت أمه التي كانت أعز إنسان لديه في الدنيا ولم يتمكن من دفنها، ولكنه عاد إلى قريته حين مات أبوه.
امتهن عيسى الإنشاد وتلاوة القرآن الكريم، وكسائر أحداث حياته التي شكلتها الصدفة التقى الشيخ إمام بالشيخ درويش الحريري أحد كبار علماء الموسيقى، وأعجب به الشيخ الحريري بمجرد سماع صوته، وتولى تعليمه الموسيقى.
اصطحبه الشيخ الحريري لجلسات الإنشاد والطرب، فذاع صيته وتعرف على كبار المطربين والمقرئين، أمثال زكريا أحمد والشيخ محمود صبح، وبدأت حياة الشيخ إمام في التحسن.
كان الشيخ إمام قد تعرف على الشيخ زكريا أحمد عن طريق الشيخ درويش الحريري، فاستعان به الشيخ زكريا في حفظ الألحان الجديدة واكتشاف نقط الضعف بها، حيث كان زكريا أحمد لا يحب الحفظ فاستمر معه إمام طويلا، وكان يحفظ ألحانه لأم كلثوم قبل أن تغنيها، وكان إمام يفتخر بهذا.
حتى إن ألحان زكريا أحمد لأم كلثوم بدأت تتسرب للناس قبل أن تغنيها أم كلثوم، مثل «أهل الهوى» و«أنا في انتظارك» و«آه من لقاك في أول يوم» و«الأولة في الغرام»، فقرر الشيخ زكريا الاستغناء عن الشيخ إمام.
كان لهذه الواقعة أثر في تحويل دفة حياة الشيخ إمام مرة أخرى عندما قرر تعلم العزف على العود، وبالفعل تعلم على يد كامل الحمصاني، وبدأ الشيخ إمام يفكر في التلحين حتى إنه ألف كلمات ولحنها وبدأ يبتعد عن قراءة القرآن وتحول لمغني واستبدل ملابسه الأزهرية بملابس مدنية.
وفى عام 1962 م، التقى الشيخ إمام عيسى بأحمد فؤاد نجم رفيق دربه، وكفاحه وتم التعارف بين نجم والشيخ إمام .
وبدأت الثنائية بين الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم وتأسست شراكة دامت سنوات طويلة. ويُعتبر أن الدور المباشر الذي لعب الشاعر أحمد فؤاد نجم في حِراك الشارع العربي هو بفضل عبقرية الشيخ إمام، فكان أحمد فؤاد نجم يري أن الشيخ إمام عيسى مغنيا عظيما متفردا مثله كمثل الموسيقار محمد عبد الوهاب.
ذاع صيت الثنائي نجم وإمام والتف حولهما المثقفون والصحفيين خاصة بعد أغنية: «أنا أتوب عن حبك أنا؟»، ثم «عشق الصبايا»، و«ساعة العصاري»، واتسعت الشركة فضمت عازف الإيقاع محمد على، وكونوا فرقة للتأليف والتلحين والغناء ساهم فيها العديد لم تقتصر على أشعار نجم فقط ولكن لمجموعة من شعراء عصرها أمثال: فؤاد قاعود، وسيد حجاب ونجيب سرور، وتوفيق زياد، ونجيب شهاب الدين، وزين العابدين فؤاد، وآدم فتحى، وفرغلى العربي، وغيرهم.
كغيرهم من المصريين زلزلت هزيمة حرب ٦٧ الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم ، وقدموا بعض الأغاني الساخرة الانهزامية مثل يعيش أهل بلدي وبينهم يعيش، تعارف يخلي التحالف يعيش، وبقرة حاحا ، ولكن سرعان ما اختفت هذه النغمة الساخرة الانهزامية وحلت مكانها نغمة أخرى مليئة بالصحوة والاعتزاز بمصر مثل «مصر يا امة يا بهية – يا ام طرحة وجلابية».
انتشرت قصائد نجم التي لحنها وغناها الشيخ إمام كالنار في الهشيم داخل وخارج مصر، فكثر عليها الكلام واختلف حولها الناس بين مؤيدين ومعارضين، في البداية استوعبت الدولة الشيخ وفرقته وسمحت بتنظيم حفل في نقابة الصحفيين وفتحت لهم أبواب الإذاعة والتلفزيون.
لكن انقلب الحال بعد هجوم الشيخ إمام في أغانيه على الأحكام التي برأت المسئولون عن هزيمة 1967، فتم القبض عليه هو ونجم ليحاكما بتهمة تعاطي الحشيش عام ١٩٦٩ ، ولكن القاضي أطلق سراحهما، لكن الأمن ظل يلاحقهما ويسجل أغانيهم حتى حكم عليهما بالسجن المؤبد ليكون الشيخ إمام أول سجين بسبب الغناء في تاريخ الثقافة العربية.
قضى الشيخ إمام ونجم الفترة من هزيمة يوليو حتى نصر أكتوبر من سجن إلى آخر ومن معتقل إلى آخر وكان يغني وهو ذاهب إلى المعتقلات اغنيته المشهورة شيد قصورك ومن قضية إلى أخرى، حتى أفرج عنهم بعد اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات.
في منتصف الثمانينيات تلقى الشيخ إمام دعوة من وزارة الثقافة الفرنسية لإحياء بعض الحفلات في فرنسا، فحازت حفلاته على إقبالاً جماهيرياً كبيراً.
وقف الشيخ إمام عيسى مع القضية الفلسطينية وغنى لها العديد من الأناشيد منها «يا فلسطينية» و«فلسطين دولة بناها الكفاح» وغيرها.
وفى منتصف التسعينات آثر الشيخ إمام الذي جاوز السبعين العزلة والاعتكاف في حجرته المتواضعة بحي الغورية ولم يعد يظهر في الكثير من المناسبات كالسابق حتى توفي في هدوء في 7 يونيو 1995 تاركاً وراءه أعمالاً فنية نادرة.
ترك الشيخ إمام عيسى إرثا كبيرا وتراث مازال يقدم حتى الأن في المحافل الوطنية سواء في مصر أو خارجها ، فعلى سبيل المثال الملحن أحمد إسماعيل يعيد إحياء تراث الشيخ إمام عيسى ، وفرقة الأوله بلدي ، والفنانة عزة بلبع، والفنان حازم شاهين، وغيرهم الكثير.