فن

المخرج انتصار عبد الفتاح: “مخدة الكحل” علامة فارقة وأنا صاحب مصطلح «المسرح البوليفونى» فى مصر.. ومازلت أحلم بعرض «راهب الأحجار» تحت سفح الأهرامات

كتبت رباب سعيد

سوف أظل اراقص السماء والكون والطيور والأشجار متحررا عاشقا
دعوة مفتوحة لمن يريد أن يسمو عبر الأزمنة والأمكنة
نادرة هى العروض ذات الأبعاد الدينية التي تبحث فى علاقة الإنسان بالكون وبما وراء الطبيعة والتى تتخذ من آلام الإنسان الوجودية موضوعها وتبحث فى حيرة الروح وعثراتها وأشواقها إلى الخلاص وتعزف على اوتار النفس فتنتقل من وتر إلى وتر بمهارة العازف المتمرس وتسلمك بسلاسة ورقة من حالة إلى حالة دون أن تطفى واحدة على الأرض فتشبعك دون إرهاق أو تبلد أو تخمة…. المخرج انتصار عبد الفتاح يعتبر الأمهر فى تقديم هذا النوع من العروض الذي يستخدم فيه كل تقنيات المسرح من اداء تمثيلى وحركة ورقص وغناء واستعراض وشعر لهذا تكتسب عروضة أهمية كبرى ينتظرها عشاق المسرح الحقيقي ليستمتعوا بفنه الراقى

ولهذا جاء تكريم مجلة كلاسي الذي أهدى خصيصا له وعلى هامش التكريم كان الحديث

 

قال انتصار عبدالفتاح: التجريبى جزء أساسى من رحلتى الابداعية، سواء من خلال مشاركته فى دورة المهرجان الأولى ممثلا للتجريب المسرحى المصرى بعرض «كونشرتو» فى افتتاح الدورة وعرض «سوناتا» والذى اختير بالإجماع لتمثيل مصر فى الدورة السابعة التجريبي عام 1995، كذلك عرض «مخده الكحل» الذى حصدت به مصر الجائزة الكبرى لأول مرة فى عام 1998، والذى اعيد عرضه فى الاحتفال بيوبيل المهرجان التجريبى فى الدورة 25، وذلك فضلا عن المشاركة فى اخراج حفلات الافتتاح والختام، حيث قدمت عرض «ترنيمة 1» عام 1991 بافتتاح الدورة الثالثة التجريبي

.
أول المخرجين المجربين فى المسرح المصرى، فمتى بدأت هذه العلاقة التجريب المسرحي؟

التجريب قاسم مشترك فى كل اعمال، منذ البدايات الاولى، وقبل إعلان الفنان فاروق حسنى وزير الثقافة الأسبق عن إطلاق مهرجانا للمسرح التجريبى فى مصر؛ كان يشاهد فى قاعة منف عرضى «دربكة»، اندهش من مستوى العرض وطريقة تناوله، وكشف وقتها لأول مرة عن رغبته فى تأسيس مهرجان المسرح التجريبى، وطلب مشاركة العرض فى الدورة الأولى منه، وبذلك كان عرض دربكة بمثابة حافز له للإعلان عن فكرة المهرجان

يرى كثيرون أن عرض «مخدة الكحل» كان علامة فارقة فى مشوارك الفنى.. فما تعليقك؟

هو العرض الاكثر شهرة بين أعمال الأوفر حظا من النجاح، فهو العرض الفائز بأول جائزة لمصر من مهرجان المسرح التجريبى، وأذكر هنا الفرحة التى حملها لى صوت الناقد الراحل سامى خشبة وهو ينقل لى تليفونيا خبر فوزى بالجائزة الأولى من المهرجان التجريبى، حيث رأت اللجنة ان العرض يقدم لغة مسرحية جديدة، وجاءت جائزة مهرجان قرطاج لأفضل عمل متكامل لتؤكد على قيمة هذا العرض، وكنا قد قدمنا العرض وعدنا لمصر باعتبارها مشاركة احتفالية ولم أكن أعلم انه فى المسابقة الرسمية، وفوجئت باتصال تليفونى من المخرج المسرحى الكويتى فؤاد الشاطئ اخبرني بفوز العمل باجماع اصوات لجنة التحكيم.

ما العمل الذي تراه لم يأخذ ما يستحقه من الاهتمام؟ـ

عرض «راهب الاحجار»، والذى قدمته فى عام 2000 بمتحف النوبة فى ختام سمبوزيوم النحت على الجرانيت بأسوان، والذى وشارك فيه أكثر من 300 فنان وفنانة فضلا عن الاستعانة بعدد من الجمال، وللأمانة فإن وزارة الثقافة آنذاك وفرت كل الامكانيات ليخرج العمل بهذا الشكل المبهر، ولكن تم عرضه لليلة واحدة، وهو عرض أتمنى أن أعيد تقديمه مرة أخرى تحت سفح الهرم، لأنه عمل ملحمى ضخم يستحق أن يشاهده الجمهور بشكل جيد فى موقع حضارى مثل منطقة الاهرامات

ارتبط اسمك بما يعرف بالمسرح
بوليفونى فما سر هذا ؟

ــ أنا صاحب مصطلح «بوليفونى» فى مصر، فأنا بطبيعتى مهتم بفن السماع، وخلق حالات احتفالية بالمزج بين الأصوات، والتى تنصهر فى باقى عناصر العرض لتؤكد على الفكرة

وهل هناك علاقة بين مسرح البوليفونى و مهرجان سماع و مهرجان الطبول اللذين تنظمهما بشكل سنوي؟

لم ألتفت من قبل لوجود علاقة بينهما وبين شكل المسرح الذى أقدمه، وربما جاء هذا الربط من هذه الحالة الاحتفالية، والتفاعل والانصهار التى تشهدها مهرجان الطبول وسماع، والتى تؤكد على ان الإبداع ليس له حدود، ففى مهرجان الطبول تصل الفرق المشاركة إلى اللحظة التى يتوحد فيها الجميع، ويصبح الانسان هو الوطن، أما فى مهرجان سماع فتكون الحالة روحانية وتسمو بالمشاركين والجمهور معا لتصل بنا إلى المعنى المقصود.. «هنا نصلى معا من أجل الانسانية» وهو الجوهر الذى يتفق عليه كل الاديان.
ومن هنا حققت عروض فرقة سماع حضورا جماهيريا فى كل رحلاتها الفنية، ومشاركتها بالتظاهرات الدولية، وقدمت عروضها فى النمسا وألمانيا وإيطاليا ووصلت إلى قلب الفاتيكان .

كيف بدأت فكرة مهرجان سماع الدولي للانشاد و الموسيقى الروحية ؟

بدأت الفكرة مع قرار وزير الثقافة السابق الفنان فاروق حسني في استغلال البوت الأثرية القديمة كبيوت إبداع متخصصة يقدم كلا منها نشاطه الخاص به و ولاني الوزير قبة الغوري و جاء المهندس محمد ابو سعدة الرئيس السابق لصندوق التنمية الثقافية لبسلمني المكان و بمجرد أن وطأت قدميا البيت العتيق شاهدت نموذجا رائعا لفنون القاهرة التاريخية و علي راس هذه الفنون فن السماع و مصر كانت و ما زالت و سوف تظل رائدة في هذا الفن العريق ، و سمعت أصوات المنشدين العباقرة تتردد من حولي فقررت إنشاء فرقة سماع للأنشاد و قمت بجولات طويلة الي كل محافظات مصر لاختيار الأصوات الجديدة و اكتشاف المواهب الرائعة ووجدت خاطر يلح علي عقلي بعمل تجربة مزج بين الانشاد الديني الإسلامي و الانشاد الديني المسيحي فتواصلت مع البابا شنودة رحمه الله هذا الرجل الجميل اللي رحب ترحيبا كبيرا بفكرة مشروعي و ارسل لي مجموعة من الشمامسة من الكنيسة بقيادة انطوان ايراهيم عياد أبن المعلم ابراهيم عياد و كان التحدي كيف يلتقي العالمين في منظومة واحدة و بعد دقائق وجدت التفريدة الإسلامية تتعانق مع الترتيلة المسيحية بمنتهى السلاسة و الجمال و قام المنشدين ليتعانقوا معا فرحا بنجاح التجربة ثم اتسعت هذه التجربة لتضم دولا متعددة و منها نشأت فرقة ثانية هي رسالة سلام التي قدمت عروضها فى مختلف دول العالم و اذكر أننا قدمنا حفلا شديد الروعة فى أكبر كنائس فيينا حضره أكثر من ١٠٠٠ شخصية سياسية ثم انتقلت حفلاتنا الي اكبر اربع مدن فى ألمانيا، ثم انجلترا حيث قدمنا حفلنا أمام حجر رشيد ، و بعدها إيطاليا التي ساعدتنا فيها السيدة جيهان زكي ، و في فرنسا قدمنا حفلا في كنيسة سان جيرمان و من فرنسا توجهنا الي الفاتيكان لنقدم عرضنا فى اقدم كنيسة فى العالم و هي الكنيسة الحجرية و غيرها من دول العالم و في كل دولة من هذه الدول كنت اطلب مشاركة احد فرق الانشاد فيها و من خلال ورشة فنية علي الهواء تشارك كل فرقة بفنونها الخاصة ووجدت براعة لا مثيل لها فى اندماج كل الفرق مع فرقتنا . و من خلال هذه الرحلات المتتالية أكدت علي فلسفة حوار فنون ثقافات الشعوب و هو هدف جعلنا نقف في المقدمة دائما ، و اذكر ان تعليقات كبار الشخصيات العالمية كانت تدور كلها حول هذا الهدف فقيل لي أن السياسة قضت عشرات السنين في محاولات الوصول الي ذلك الحوار الذي افتقدناه و لكن فرقة رسالة سلام أستطاعت أن تحقق هذا في ٤٥ دقيقة فقط . و قد وصل عدد الورش التي اقمناها أكثر من ٥٠ ورشة خلقت بداخلنا جميعا حالة من الاصرار و الرغبة في الاستمرار ، و قد بدأ مهرجان سماع عام ٢٠٠٨ و نحن بصدد التحضير للدورة ال١٦ من عمر هذا المهرجان .
ماذا عن مهرجان الطبول و الفنون التراثية و الذي بدأناه تحت عنوان حوار الطبول من أجل السلام ، و هذا المهرجان له ذكريات لا تنسي فقد مرت مصر بفترة زمنية عصيبة تحت حكم جماعة الإخوان الإرهابية و أثناء هذه المرحلة الصعبة فكرت في مشروعي الثاني و هو حوار الطبول بين دول العالم و مصر و كانت جرأة كبيرة أن نقيم الدورة الاولي عام ٢٠١٣ وسط عدم الاستقرار الذي كان يسود مصر كلها و كانت السياحة شبه متوقفة و من الصعب جدا استدعاء فرق من الخارج و لكنني اصريت علي بدء المشروع ووافق وزير الثقافة آنذاك الدكتور محمد صابر عرب و تمت الدورة الاولي على أكمل وجه و قد احتفلنا هذا العام بالدورة العاشرة للمهرجان ،

الحلم الأكبر المتوج لكل مشوعاتك كان ملتقي الاديان فما هي قصته ؟
علي مدي سنوات طويلة كنت اتمني ان أقدم رسالتي و مشروعي الثقافي علي أرض سيناء هذه الأرض التي شهدت خطوات أقدام الأنبياء علي ترابها و التي شهدت أيضا اول حديث بين رب العزة و نبيه موسي و بالفعل سافرت الي جنوب سيناء و اخذت اتجول هناك الي أن وجدت توحدا روحانيا بيني و بين وادي الراحة بمنطقة سانت كاترين ووجدت صورة الحفل الضخم تنتظم أمام عيناي حيث الطريق الذي تضيئه الشموع علي الجانين وصولا الي المسرح الذي نقدم عليه صلاة واحدة بكل اللغات لله الواحد و من هنا أطلقت علي المشروع اسم “ملتقي الاديان ، هنا نصلي معا ” و في العام الأول لم نستطع تنفيذ تلك الصورة لبرودة الجو الشديدة فاضطررنا الي تقديم الحفل ف قاعة داخلية مغلقة و مع هذا حقق نجاحا مدويا جعل محافظ جنوب سيناء اللواء خالد فودة و كل قبائل سيناء تدعمنا دعما قويا في العام التالي و تغير الموعد الي موعد جديد بعيدا عن تلك البرودة و كانت واحدة من أجمل دورات ملتقي الاديان ، ثم قدمنا الدورة الثالثة و لكنني بعدها انتبهت الي أن جمهور القاهرة محروم من هذه الصلاة فقررت الانتقال بالملتقى الي المتحف القبطي بمجمع الأديان بمنطقة مصر القديمة و هناك بين احضانك جامع عمرو بن العاص و الكنيسة المعلقة كان للصلاة مذاق آخر مختلف ، هذا المذاق الذي صنع رباطا روحيا ووجدانيا بين كل الاديان .

بعد هذا المشوار الطويل ما هى كلمة السر فى نجاح عروضك؟

الجمهور.. فأنا دائما حريص على ان تلمس اعمالى مشاعر الجمهور فى الاحياء الشعبية وقرى و نجوع مصر، واحرص على تقديم اعمالى بالمجان أو بتذاكر مخفضة لاننى مؤمن بأن الخدمة الثقافية لا تقدم كسلعة تجارية، لان هدفها الارتقاء بذوق الناس واحساسهم ولهذا قدمت عروض ومهرجانات فى الشوارع، اذكر منها مليونية شارع المعز ، و عروض ليالي المقامات الروحية بممر بهلر بمنطقة وسط البلد، ميدان روكسي و الكربة بمصر الجديدة ، ثم بيت يكن بمنطقة الدرب الأحمر و في هذا البيت اكتشفت ما اسميت كورال الجماهير من خلال مجموعة من السيدات القاطنات بالحي الشعبى و كن يرددن اغاني التراث مع الفرقة بأصوات جميلة متناغمة جعلتني استعيدهن اكثر من مرة ، و قد استعنت بكورال الجماهير بعدها فى عروض بيت السناري بالسيدة زينب و فى دورات مهرجان سماع و كان الجمهور بتفاعل معنا بكل جوارحه ، وأجرى هو سعادة البسطاء

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى