الفوال”.. مهنة لم تنقرض بمرور الزمن.. تاجر السعادة يبيع “كباب الغلابة” ويسمونه “حمال الأسية”.
كتبت :مارى صبرى
الشعب المصري بعاداته وثقافته اليومية والحياتية، ملئ بالتفاصيل والحكايات، لكل تفصيله مهما كانت بسيطة تجد جذور و حواديت تخطف القلوب، ما بين كل الثراء في الثقافة المصرية نجد طبق الفول متربع على قائمة الطعام المصرية، مهما كان المستوى الاجتماعي لصاحب المنزل، وفى شهر رمضان الكريم، يتصدر المشهد الرمضاني في الشوارع المصرية وموائد السحور، فمن هو الشيف الذى يبدع في صناعة طبق الفول وماذا يسمونه المثقفين والمؤرخين، انه “الفوال” رمز مهنة لن تنقرض مع مرور الزمن.
الفوال هو الشخص الذى يدمس الفول ، ولا يشترط ان يكون هو نفس الشخص الذى يبيعه، لكنه كلما اتقن تسويته، كلما كان ” كومانده” في المهنة، تعود تفاصيل هذه المهنة لحقبة زمنية بعيده جدا، يعيدها البعض لفترة حكم الهكسوس مصر، حين اشتدت الأزمة الاقتصادية، وتم تضيق الخناق على الشعب المصري، الذي أبدع في مواجهة الأزمة باختلاق أنواع معينة من الأكل من المحاصيل المتاحة حولهم، والقليل منها، فالفول كان أحد هذه الوجبات، ومعه الكشري المصري.
كان الفول محصول زراعي أساسي في الأراضي المصرية هو والذرة، وكان يتم زراعته ليس لاستخدامه في الأكل، وانما كان يستخدم كعلاف للماشية، لما له من قدرة على بناء نسيج بروتينى للماشية يزيد طعم لحمها حلاوة، وبعد ان كان الذرة يتم حصاده “فالدراوة” تكون للماشية أيضا، البرديات الفرعونية رصدت مراسم وطقوس زراعة الفول في الأرض بعد نبات الذرة ، حيث ان المصريين القدماء كانوا يعتقدون أن محصول الفول له قدرة على استعادة الأرض الزراعية لعافيتها بعد زراعة القمح.
مع فترة احتلال الهكسوس لمصر، كان الشعب يعانى من الجوع والفقر، وكادت أن تختفى اللحوم، فلجأ المصريين الى أكل الفول الأخضر، وخزنوا منه الكثير، وكانوا يعانون في تسويته داخل الأواني الفخارية لفترات طويلة، وخاصة ان قشرته تتصلب وتحتاج كثير من الوقت للتسوية ومزيدا من المتابعة لأنها تمتص المياه سريعا، ولجأ المصريين للعديد من الطرق لحل مشكلة تسوية الفول، فمنهم من وضعها في إناء فخاري مع الكثير من الماء ودفنه في الرمال لأيام طويلة حتى يتم تسويته على حرارة الرمال، كما كانوا يطهون اللحوم ” المندى” و”المدفون”، وعثر على بقايا أثرية للفول ونباتات البزلاء، والعدس، والحمص، تعود لعام 3000 سنة قبل الميلاد بمنطقة حوض البحر الأبيض المتوسط وأوروبا الوسطى، بالحضارة المصرية والرومانية واليونانية.
ومع مرور الوقت اصبح طبق الفول من الأطباق الشهيرة في الاحياء الشعبية، ويقال أن هناك احد الحمامات الشعبية التي كان يستخدمها المصريون صاحبها كان رجلا يونانى، يسمى ” ديموس” جاءته فكره تسوية الفول على فوه الحرارة التي كانت تستخدم في تسخين المياه للحمامات، ومع الوقت أصبحت جزء من المستودع يأتي اليه الناس بقدر الفول للتسوية بمقابل أجر، ووسموها الفول المدمس نسبة لديموس، فكعادتهم المصريون يمصرون الكلمات وتحولت مهنة تسوية الفول لفول مدمس.
ومع الوقت انتشر طبق الفول في حوارى مصر التي وجدت بها الحمامات الشعبية، وامتهنها البعض، ومن لم يمتهنها، كان يستخدمها بعد التسوية، ومع زيادة بعض التوابل كالكمون والشطة، والزيت الحار والزيت الحلو والطحينة ، يتميز بها كل بائع، وكأنها سباق للحصول على الطعم الأفضل.
بائع الفول، يعمل طوال العام، لا يأخذ أجازه، ولذلك يسمونه ” حمال الأسية” لان حمل قدرة الفول يحتاج مقدره فائقة، فتراه يقف يبيعه الفول مستخدما “الكبشة ” كمعيار لإخراج الفول من القدرة، واحيانا يغنى خلال البيع كل صباح، فلا يخلو منه بيت مصري في وجبه الفطار مع “التحابيش”، وهذه “التحابيش” تختلف من محافظة لأخرى ما بين الزيت والليمون والكمون والطماطم والزبدة والطحينة والبيض، وخلال شهر رمضان الكريم اكتشف المصرين قدرة طبق الفول على الصمود بلا جوع طوال اليوم، لأنه يعد وجبه متكاملة، تساعد العمال والصنايعية على العمل حتى في أيام الصيام.
الأغاني الشعبية
دوما ما تعتبر الأغانى الشعبية توثيق لتفاصيل حياة المصريين ، فمن منا لم يستمع لأغنية الفول المدمس ، التي تغنا بها الفنان محمد قنديل وإسماعيل شبابنه والحان احمد صبرة وتأليف الكاتب طاهر أبو فاشا..” المدمس.. المدمس.. ما تقول كويس.. اللوز يا ريس.. تعالا غمس.من المدمس”.