محمد الصعيدي لكلاسي: المرحلة القادمة ستشهد أكثر من مشروع إبداعي باسمي
حوار: سلمى عبد الله
هناك الكثير من النجوم والفنانين الذين نحبهم ونقتدي بهم أمام الشاشة، ولكن خلفها يوجد الكثير أيضا، يوجد من لم يبخل أبدا بأي معلومة يوما أو تقديم يد العون لمن هم في حاجة إلى مساعدة.
ولذلك استضافت “مجلة كلاسي” في ندوة مميزة جدا العميد السابق “محمد الصعيدي“، والذي يستحق أن نطلق عليه لقب “نجم وراء الشاشة”.
لماذا تركت منصبك في وقت مبكر جدا في حين أنه كان ما زال لديك أشياء كثيرة تعطيها؟
هذا سؤال عميق جدا، هذه أقدار الله، الإنسان لا يختار، لم يكن في بالي يوما أن أسعى في حياة مهنية معينة، لكن كما قولت هي أقدار الله ليس أكثر، الإنسان يرتاح في مرحلة معينة، ثم مرحلة أخرى لا يرتاح بها، ولذلك يحاول أن يجرب.
لإنك متميز وناجح في أي مجال تكون به، أقمت حدثا كبيرا جدا خاص بالعقارات وكان الأول من نوعه في مصر بهذا الشكل، أحكي لنا الفكرة وتغيير عملك من مجال لآخر، ظابط في المركز الإعلامي بوزارة الداخلية لشخص مسئول عن شركة من أهم شركات العقارات؟
سأحدثكم أولا عن فترة السينما والدراما سابقا ثم الآن، لأن أي شخص بيكون في هذا المكان دوره مساعدة الصحفيين والإعلاميين.
أما بالنسبة لموضوع العقارات، فهو معرض لشركة تسويق العرض والمؤتمرات، وكان الواحد لديه نظره، كان يرى فكرة التوسع الذي حدث في مصر في هذا الوقت، فكان لديه طلبات كثيرة عند المصريين الذين يعملون في الخارج وفي الخليج تحديدا، بالإضافة إلى المواطنين أنفسهم في الخليج.
فكانت الفكرة هي أن أفعل شيء هناك للعقارات المصرية، في السعودية والإمارات، والحمد لله نجحت، ثم بعد ذلك أصبحت عادة، أصبح كل الأشخاص يُقيمون معارض مثل هذه هناك.
أكيد كان لديك احتكاك مباشر بالإعلاميين وكونت من وجهة نظرك فكرة عن هذا، ما هي الفكرة التي كونتها أو كيف كنت ترى هذا المجال “أي مجال الصحافة والإعلام في مصر”؟
أنا أرى أن أشطر صحفي عموما في الوطن العربي هو الصحفي المصري، وهذا لأن أنا طوال الوقت أتابع الوسط جيدا، فأكثر الأشخاص الناجحين في الوطن العربي في المؤسسات الإعلامية هم المصريين، لأن هذه هي طبيعة المصري نفسه على مدار التاريخ، هو يحتك كثيرا واُستعمر من جهات ودول مختلفة، كل هذه كانت عناصر مستحدثة طوال الوقت عليه.
وفي التاريخ عموما، التكوين المصري الذي يعيش ويراه متغير كثيرا جدا، فعندما يصبح صحفي يكون لديه شغف ولديه رغبة في إيجاد التفاصيل والدخول في المواضيع بشكل أكبر غير أي شخص آخر، هذا ما رأيته من الصحفيين المصريين.
أفضل إعلام في الوطن العربي هو الإعلام المصري، والمؤرخين أفضلهم مصريين، كما يوجد تنوع كبير جدا في الصحافة في مصر.
ولكن فكرة الورقي والرقمي الآن، هذه هي الإشكالية الموجودة حاليا في جميع المجتمعات.
من وجهة نظرك في ماذا أفادت وأضرت التكنولوجيا عندما ظهرت؟
أولا أنا كنت أحب الورقي جدا، وأرى أن التكنولوجيا لم تقدم إفادة أكثر من أنها وسيلة ترفهيه تختصر زمن وشكل معين لمعرفة معلومة ما، لكنها لم تفيد بشيء قوي، بل هي استسهال، فمثلا القراءة من خلال الموبايل لا يجعلني بحاجة إلى الجرائد والمجلات، وهذا هو الموضوع الذي ينطبق على العالم بأكمله حاليا، أي الجهاز الصغير الذي يحمله في يده يتحكم في حياته كلها.
ولكن هل أفرزت التكنولوجيا نوعية من الصحفيين لم تكن موجودة سابقا؟
أي مدخل جديد في أي صناعة من الطبيعي أن ينتج عنه جزء سلبي؛ لأن الموضوع أصبح سهلا، من أجل كتابة مقال في أحد الجرائد سابقا فمن الضروري موافقة رئيس التحرير ومساعده أولا، حيث تتم قراءة هذا المقال والتعديل عليه ثم يرجع الصحفي لتنفيذ هذه التعديلات، إنما الآن من العادي كتابة أي جمل ووضع اسم عليها، سواء كان ما تم كتابته صحيحا أم خطأ، فلا يوجد من يحاسبه على ذلك، وهذا ما يجعل المجتمعات الأقل تعليما وثقافة تصدق أي شيء.
هل نستطيع القول أن التكنولوجيا قتلت الشغف داخل الصحفيين؟
لا أعتقد ذلك؛ لأن الشغف هو ذلك الشيء الذي ينام ويستيقظ به، فكرة المعلومة أو التحقيق أو الاستقصاء هي حالة الصحفي، ولكن هل هو لديه شيء يضع به المعلومة أم لا؟ هذه هي المشكلة حاليا، حيث أن هناك العديد من الصحفيين لديهم موهبة وعمل جيد جدا، ولكنهم لا يجيدون الموقع الذي يساعدهم ويدعمهم ويمولهم، فإذا يصبح مضطرا أن يفعل شيء لنفسه، مثل السوشيال ميديا وهي غير مكلفة، (ويا صابت يا خابت)، لكن في مواهب كثيرة جدا كصحفيين يحتاجون من يستخدمهم بشكل صحيح.
انتقلت من التعامل كمسئول أو أحد المشاركين في المركز الإعلامي بوزارة الداخلية إلى أنك أصبحت مصدر بالنسبة لنا للأخبار، كيف اختلف التعامل؟
اختلاف طبيعي، مثل أي شيء في الدنيا، الناس ليست مثل بعضها البعض، يوجد منهم من هو صاحب تربية جيدة ولديه توعية جيدة ويتعامل بطبيعته، مثلي تماما سواء قبل أو بعد، لكن النسبة الأكبر منهم ما زالوا أصدقائي ليس فقط معارف، وفي النسبة الطبيعية كان التعامل مهم مختص بالعمل، والذي لم يعد موجودا الآن، فبالتالي لا يوجد تعاون، لكن الذي كان يشغلني وقتها أن أنا لدي شغف تجاه الفن عموما “السينما والدراما”، فكان وقتها من أول ما كان احتكاكي قوي قليلا بالوسط، فبقدر أغذي بفكرة معينة، مثل أفلام “عسكر في المعسكر، الجزيرة، المصلحة، سجن النسا”، كل هذا كان الحمد لله بأفكار شخصية. كمستشار؟ هذا المسمى مدمج، كانوا يقولون لي أنت إنتاج وإخراج وتأليف، (أنت كل حاجة).
ولكن هذه الأعمال فرقت جدا مع الجمهور وأحببها؛ لأنها قصص حقيقة من واقع الملفات، دائما القصص الحقيقة يكون لها تأثير مضاعف على المُشاهد؛ لأنه طول الوقت يرى أن هذا شيء ليس مكتوبا فقط وأنه حقيقي أيضا، وبالتالي تظل موجودة دائما، الشخص دائما يكون متعمد على فكرة الألسنة في الأحداث؛ لأن الأعمال الدرامية والفنية عندما يكون بها شيء من الإنسانيات فإنها تعيش وتعمر لوقت أكبر.
من المؤكد أن أشخاص كثيرة لا تعرف المخاطر التي يتعرض لها الأولاد في الشرطة في الحياة العادية، لكن عندما أرى المصلحة أو الجزيرة هعرف أشياء كثيرة؟
صحيح، ولكن العمل لا يكون شُرَطي، بل هو مزيج ما بين شيء من الشرطة وشيء درامي مؤلفة، فالمطابقة دي بتنتج في النهاية تكوين.
كيف اتجه شغفك إلى السينما والدراما؟
جدي -رحمة الله عليه- كان شاعرا وكان في منصب وزارة التعليم وقتها، وهو الذي أدخل هذا الشغف في العائلة، فأصبح ولاد خالتي شعراء، وأصبح لدى الفرد لمسة فنية بسببه، ثم صادف القدر أنني كنت قريب من الممثل أحمد زكي -رحمة الله عليه- سنين مش قليلة، لأنه كان صاحب أبو جاري وصاحبي ودفعتي، فالتوقيتات دي كلها، أي نهاية التسعينات وتحديدا الخمس سنين الأخيرة فيها والألفنيات لحد ما توفى جاري، قابلت أشخاص كثيرة من الوسط وقتها، مثل كريم عبد العزيز عندما كان يصور “أضحك الصورة تطلع حلوة” وأحمد السقا في فيلم “السادات”، هذه كانت بداية الانفتاح أو التعامل مع الوسط الفني، وأنا بطبعي بحب السينما منذ صغري، وبحب أدخل أفلام بمفردي وأنا صغير، فكل هذا زاد من الشغف لدي.
ولكن في الحقيقة، عندما كبرت وأصبحت أشاهد الأفلام اكتشفت أنه برغم خيال الكُتاب وإبداعهم القوي جدا في أعمال تاريخية كثيرة جدا موجودة، ولكن يظل الواقع أقوى بكثير، وفي وقائع أنا عاصرتها ورأيتها لا يمكن أن يأتي في خيال أحد أن يؤلفها بهذا الشكل.
وإن شاء الله المرحلة القادمة ستشهد أكثر من مشروع إبداعي أعمل عليهم، منهم فيلم روائي ومنهم مسلسل درامي.
البداية الثانية في حياة الإنسان لا تحدث كثيرا، خاصةً إذا عاش الإنسان فترة بها شيئا من صرامة العسكرية ثم انتقل إلى بداية أخرى أكثر انفتاحا واتساعا، هل ذلك مثل صعوبة عليك؟
أكيد، وصعوبة على أي بنى آدم ليس أنا فقط، يمكن كل شخص لديه فلسفته، وهناك جزء من الأشخاص يعتمدون على العشوائية، الفلسفة الخاصة بي هي أن الحياة مراحل وتجارب، وما دام هناك شغف وحلم وإصرار فالبني آدم سيصل إلى ما يراه الله أفضل، حتى وإن ذهب في طريق ما ثم ذهب في طريق آخر فهذه اختيارات الله، فالذي يفصل هنا هو النية الصافية، لو البني آدم نيته صافية يكون متصالح مع نفسه وراضي، إنما الذي يريد شيء معين ومن دونه لا فإنه سيتعب جدا.
نعم، العمر صعب، ولكن الشخصيات عندما تكون متصالحة مع نفسها وموافقة وراضية بأي تغيير يحدث في حياتهم، أحيانا يمكن أن يسبب لهم الألم أو المضايقة أو يكون ضد رغبتهم من الأساس، لكن أنا أرى التصالح والرضا هما أعلى نقطة، عندما يزيد احتكاك الإنسان -ذكر أو أنثى- في سن صغير يعطيه ميزة القدرة على التعامل مع جميع المواقف.
فمثلا أنا دخلت في مجلات جديدة لم أكن أعلم عنها شيء، ولكن كنت احتك بها بشكل إداري فقط، فالحمد لله التوفيق من عند الله.
إذا، هل نريد أن نقول للشباب لا تفقدوا الحلم؟
أكيد، السعي أراه هو الشيء الوحيد الذي لا يجب أن يتوقف عنه أي بني آدم، طول ما الشخص يسعى حتى مهما كان سنه كبير أو صغير، فهو يسعى في النهاية.
الشخص الذي كتب “هاري بوتر” كتب كام نسخة منه من أجل الموافقة عليه فقط؟ ولم يؤيده أحد، كتب 12 مرة، وفي المرة الثانية عشر تمت الموافقة عليه، فلا يوجد شيء يسمى أنا لن أفعل ذلك، (محدش عارف بكره مخبي إيه)، لقد عشت توقيتات بها أشخاص توفاهم الله في سن السبعين، وفاجأة فلان منهم أصبح وزير، فكيف إحساسه؟ إذا كان يوجد نفس فيوجد سعي وتوفيق من الله.
لماذا اختارت محمد رمضان؟ أم هو الذي اختارك؟
المشروع ما زال في التخطيط الأولي، فمن الأفضل أن نترك هذا لوقت بمفرده نتحدث عنه بشكل مفصل أفضل، ولكن تقريبا التخطيط لحد الآن مع محمد رمضان، وهو أيضا مشروع إنساني بوليسي، مش فكرة أكشن فقط، في المرحلة السابقة حدث إبداعات قوية جدا في مجال الأكشن، وإنتاج ضخم وإخراج عالمي، مثل مسلسلات الاختيار وفيلم الممر وفيلم السر، كل هذه أعمال قوية جدا، فأنا أرى أن الفترة القادمة تحتاج أكثر إلى دخول الإنسانيات مع القضايا البوليسية أو العسكرية، وهذا يفرق أكثر في القناعات مع الجمهور ويعيش أكثر، الحوادث التاريخية العسكرية تعيش بمفردها، لكن الأعمال الأفضل هي التي يكون بها الدمج.
أما بالنسبة للمسلسل، حدثنا عنه قليلا؟
المسلسل أيضا من ملفات الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، ولكن أيضا ليست قصة تقليدية، أنا مهتم بالإنسان أكثر من أي شيء آخر، فهو المكون والمصدر الأساسي لجميع الأفعال في العالم، فعندما يهتم الفرد بالإنسان سيفرق ذلك أكثر من قصة محددة.
هل تستطيع الأعمال الدرامية والفنية إعادة بناء الإنسان المصري الحقيقي الذي كان يتواجد في الماضي؟ والذي أصبح وجوده حاليا قليل جدا؟
هذا حقيقي، أرى صحوة في الأعمال الدرامية أو الأفلام الروائية أو حتى في المجالات الثقافية، أحضر في بعض الأوقات فعاليات يقيمها صحفي مصري لديه شرف، اسمه محمود التميمي، يقدم شيء بعنوان “روح في المدينة” يوم من كل شهر، مهتم فيها بالتاريخ المصري والشخصيات المصرية القومية، بالإضافة إلى أنني أرى وزير الثقافة الجديد لديه إضافة، لغته تعجبني وبها اتزان وتمسك بالتطوير.