“مفهوم العطاء” بين الشمول والإنسانية

بقلم د : خالد السلامي
يركز مفهوم العطاء المجتمعي على مساهمة الفرد والمجتمع في تحسين ظروف الحياة للمجتمع ككل. وهو يعبر عن الرغبة في المساهمة في تحسين الحياة للمجتمع، ويعتمد على التطوع والعمل المجتمعي. حيث أن العطاء خصلة نبيلة، يتحلى بها مَن يجدُ في مساعدة الآخرين وسيلةً لاستحضارالرضا، ورسم السعادة على وجوههم دون أيِّ مقابل. إنْ أمعنت النظر، ستجد أنَّ الأشخاص المعطائين يتمتعون بمستوى عالٍ مِن السعادة؛ لكونهم يساهمون في إسعاد الآخرين، الأمرالذي مِن شأنه أنْ يعود عليهم بالسعادة عودًا مباشرًا وملحوظًا.
وقد لا نجد تعبيرا يُقرِّب مفهوم العطاء في شموليته مثل مفهوم الحياة والإنسانية، فالذي يُعطي هو فعلا ينشر الحياة والأمل والحب والسعادة، فهو يعطي بدون حساب، وبغض النظر عن الجنس واللون والدين، وبذلك يكون قريبا من الله ومن الناس، وعن هذه المعاني السابقة يُعبر القرآن الكريم في قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} ففي هذه الآية تقديم العطاء المطلق على التقوى رغم أهميتها؛ لأن العطاء تعبير عن جميع القيم والمثل والفضائل، ففي التقوى رضى الله تعالى، وفي العطاء رضى الناس، ومن جمع بين رضى الله تعالى ورضى الناس فقد تَمَّتْ سعادته.
أهمية العطاء المجتمعي: تحسين ظروف الحياة: العطاء المجتمعي يساهم في تحسين ظروف الحياة للمجتمع ككل، من خلال تقديم الخدمات والمساعدات. – تعزيز التضامن المجتمعي: العطاء المجتمعي يعزز التضامن المجتمعي، من خلال تشجيع الفرد على المساهمة في تحسين ظروف الحياة للمجتمع. – تنمية المجتمع: العطاء المجتمعي يساهم في تنمية المجتمع، من خلال تقديم الخدمات والمساعدات التي تهدف إلى تحسين ظروف الحياة. كما أن أنواع العطاء المجتمعي تبرز التطوع الذي يعتبر هو نوع من العطاء المجتمعي، حيث يقدم الفرد خدماته ومهاراته مجانًا للمجتمع. – العمل المجتمعي: العمل المجتمعي هو نوع من العطاء المجتمعي، حيث يعمل الفرد مع المجتمع لتحسين ظروف الحياة. – التبرع: التبرع هو نوع من العطاء المجتمعي، حيث يقدم الفرد مساعدات مالية أو موادية للمجتمع.
وحتى يكون لنا العطاء ثقافة فلا بد من اكتساب مهاراته، فالعطاء تَمَرُّن وتدريب وتعليم، وأساس ذلك يبدأ من البيت، حينما يرى الطفل ممارسة العطاء ماثلة أمامه يوميا، كما كان عليه حال بيوتنا وأهلينا، فيُعطون من طعامهم ومزارعهم ودوابهم وبيوتهم وأنفسهم وأغلى ما يملكون، فيتخرج من بيوتنا أجيال من المُعْطين تلو أجيال، فقد كانت مهارات العطاء ثقافة متوارثة، ونجد في سيرة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم صورا عديدة وقصصا كثيرة، يُدّرب فيها أهل بيته على العطاء، ويُعَلم صحابته الكرام مهارات هذه القيمة العظيمة، فيقول لعائشة رضي الله عنها: (… مَهْلًا يَا عَائِشَةُ، أَعْطِي وَلَا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللهُ – عز وجل – عَلَيْكِ)
وياتي دور الفرد في العطاء المجتمعي حيث المشاركة في العمل المجتمعي: الفرد يمكن أن يشارك في العمل المجتمعي، من خلال تقديم خدماته ومهاراته للمجتمع. والفرد يمكن أن يتطوع، من خلال تقديم خدماته ومهاراته مجانًا للمجتمع وتقديم مساعدات مالية أو موادية للمجتمع. ودور المجتمع في العطاء المجتمعي حيث تشجيع الفرد على المشاركة: المجتمع يمكن أن يشجع الفرد على المشاركة في العمل المجتمعي، من خلال تقديم الدعم والمساعدة. – تقديم الفرص: المجتمع يمكن أن يقدم الفرص للفرد للمشاركة في العمل المجتمعي، من خلال تقديم البرامج والمشاريع. تقديم الدعم: المجتمع يمكن أن يقدم الدعم للفرد، من خلال تقديم المساعدة والمشورة.
العطاء المجتمعي هو مفهوم يركز على مساهمة الفرد والمجتمع في تحسين ظروف الحياة للمجتمع ككل. وهو يعبر عن الرغبة في المساهمة في تحسين الحياة للمجتمع، ويعتمد على التطوع والعمل المجتمعي. فلنتعلم كيف نجعل للعطاء وقتا ونصيبا من يومنا، رجالا ونساء، كبارا وصغارا، موظفين ومتقاعدين، فالجميع قادر على العطاء، فنتصدق ولو بدرهم في اليوم، ونتطوع بموهبة من المواهب التي حبانا الله بها، ونعلم الآخرين المهارات التي نُتقنها، ونُدرب أبناءنا على أن يكونوا كرماء، ونكون لهم قدوة في العطاء، ونرفقهم لزيارة اليتامى والمحتاجين، ونزرع البسمة والفرح والطاقة الإيجابية أينما حللنا، ونُعطي لأوطاننا العطاء غير المحدود. بهذا نحقق النجاح والفلاح، ونمنح العالم الحب والحياة، فالذي يعطي هو الذي يحب نفسه أكثر، (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمفلحون).
وقد تعددت مكارم أخلاق نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم من أمانة وصدق ورحمة وبذل وعطاء إلى غير ذلك من خصاله الشريفة؛ وبالرغم من ذلك لا يزال الحاقدون ينفثون شرورهم بغية النيل منه إلا أن مساعيهم دائمًا ما تذهب سدى وكأنها ليست إلا نقطة حبر ضحلة أرادت تلوين بحر صاف يترقرق ماؤه النقي ليغسل الأيام . وقد يتخيل البعض أن عطاء النبي كان فقط لذوي القربي والمحبين والمناصرين – وإن كانوا الأولى بالمعروف ابتداء – لكن عطاء النبي ونبله امتد ليشمل حتى أعداءه؛ فقد وصفته أم المؤمنين خديجة -رضي الله عنها- بقولها : ” إنك لتصل الرحم وتحمل الكل، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق “.
وليس أعظم من ذلك وصفًا ، بل يكفي المرء صفة واحدة من هذه الصفات ليكون ذا منزلة رفيعة في قومه؛ لقد كان النبي يقدم لأصحابه ولأمته كافة نموذجًا في الإيثار؛ فكان يؤثر على نفسه حتى وإن كانت به حاجة وخصاصة؛ ورد عن سهل بن سعد -رضي الله عنه-، أنه قال: جاءت امرأة إلى النبي ببردة فقالت: يا رسول الله، أكسوك هذه. فأخذها النبي محتاجًا إليها فلبسها، فرآها عليه رجل من الصحابة، فقال: يا رسول الله، ما أحسن هذه فاكسنيها. فقال: “نَعَمْ”. فلما قام النبي لامَ أصحابه الرجل، قالوا: ما أحسنت حين رأيت النبي أخذها محتاجًا إليها، ثم سألته إياها، وقد عرفت أنه لا يُسأل شيئًا فيمنعه. فقال: رجوتُ بركتها حين لبسها النبي؛ لعلِّي أكفَّن فيها ” (البخاري).
هكذا كانت أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس أجمعين؛ وكانت خصلة الكرم التي تمتع بها أحد أسباب إسلام الكثيرين؛ الذين شعروا بأن رسول الله يمنح بلا حدود ويعطي عطاء جزيلاً دون خوف من فقر. عن أنس قال: “ما سُئل رسول الله على الإسلام شيئًا إلا أعطاه. قال: فجاءه رجل فأعطاه غنمًا بين جبليْن، فرجع إلى قومه، فقال: يا قوم أسلموا؛ فإن محمدًا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة”.
وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة متقدمة في مجال العطاء، حيث تقدم العديد من البرامج والخدمات التي تهدف إلى تحسين ظروف الحياة للمجتمع ككل. حيث تطلق حكومة الإمارات العديد من المبادرات والمشاريع الخيرية والإنسانية، مثل “مبادرة زايد العطاء”، التي تهدف إلى تحقيق أهداف تنموية في مختلف أنحاء العالم، خاصة في مجال الرعاية الصحية والتعليم
وختاما إن احتفال دولة الإمارات العربية المتحدة بيوم زايد للعمل الإنساني، بمثابة تأكيد على أصالة العطاء وتجذره في ديار زايد الخير منذ نشأة الاتحاد سنة1971 على يد القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، وأن سواعد الخير التي عُرف بها المغفور له بإذن الله، قد أصبحت نهجاً ولبنة من اللبنات البيضاء التي تقوم عليها نهضة الإمارات وتعد رمزاً مشرفاً يتحدث عنه العالم أجمع. ويعتبر الشيخ زايد رمزًا للوفاء والعطاء، حيث لم يكن عطاؤه مقتصرًا على شعب الإمارات فقط، بل امتد ليشمل المحتاجين في جميع أنحاء العالم.